شكوى زوج من البطالة والغلاء والجبروت النسائي

شكوى زوج من البطالة والغلاء والجبروت النسائي

د. أحمد الحسيني

اعتدنا أن نسمع شكايات الزوجات من همومهن المنزلية؛ سواء فيما يتعلق بالأمور المنزلية والقيام بأعمال المنزل من تنظيف وغسيل وطبخ، وأيضًا الشكوى من تدبير مصروفات المنزل، خاصة في ظروف قلة راتب الزوج وموارد الأسرة.

وقد تكون الشكوى فيما يتعلق بالعلاقة مع الزوج أو الأبناء ... إلخ، لكننا قليلًا ما نسمع الأزواج يعبرون عن شكاواهم من الحياة المعاصرة ومشكلاتها المتعددة، خاصة أولئك الأزواج المتدينون الملتزمون بالإسلام فكرًا وعقيدة وسلوكًا، وهذه صرخة من زوج يشعر بثقل الأعباء عليه دون أن يجد مساعدة من أحد، بل العكس؛ يجد أن الجميع متفقون على إثقال العبء عليه وإعناته.

غالبية هؤلاء الأزواج يقومون عن زوجاتهم بالمشتروات الخارجية والتسوق الخاص بالطعام، وربما لا تخرج الزوجة إلا لشراء ملابسها وملابس أطفالها أو للفسحة مع الأسرة أو لزيارة الأقارب، فالزوج هنا يوفر لزوجته "القرار" في المنزل، ويقيها شرور "البهدلة" في العمل والأسواق والمواصلات.

الزوج الملتزم يحرص على متابعة دروس أبنائه والاستذكار لهم، خاصة إذا كانوا صغارًا، لكن الواقع يقول إن كثيرًا من الزوجات أكثر اهتمامًا وانشغالًا بهذه القضية من الأزواج، فهي وظيفة تحتاج إلى صبر وطول نفس ومواظبة، فمن الرجال من يتقنها ومنهم من يتقاسمها مع الزوجة، ومنهم من لا يكون لديه الوقت للقيام بها لانشغاله طوال اليوم في العمل.

مع الانتشار الواسع لوسائل الإعلام والإعلانات وتزايد الضغوط الاستهلاكية الزوجية أو المجتمعية على الزوج؛ فإنه ينشغل بتوفير كل أنواع الأجهزة الكهربائية، مع ما يمثله ذلك من أعباء مادية عليه، فالزوجة تضغط لكي يكون لديها كل الأجهزة، ليس ذلك فحسب؛ بل أن يكون الأثاث والموبيليا في أفضل صورة، وأتذكر أننا زرنا جارنا الحلاق في شقته الجديدة، وفوجئنا بأن أثاثه أفضل من أثاثنا بكثير، فما كان من الزوجة إلا أن رفضت أن تكون أقل من زوجة الحلاق؛ مما سبب لنا إرهاقًا ماديًّا كبيرًا.

يئن الزوج في ظروف مجتمعاتنا الاقتصادية والاجتماعية، فأعداد العاطلين عن العمل تزداد كل يوم عن اليوم الذي قبله، وقد يكون العمل متوفرًا للزوج في شركة خاصة أو مكتب قطاع خاص صغير؛ لأن العمل الحكومي المضمون لم يعد متوفرًا، لكنه ما يلبث أن يجد نفسه بلا عمل؛ لأن الأعمال الخاصة تتعرض لعقبات ومشكلات تؤدي إلى عدم استمرارها.

وهنا يتعرض الزوج لأسوأ أزمة يمكن أن تواجهه هو وأسرته وبالطبع زوجته، حيث ينقطع الراتب تمامًا، هنا تسوء حالة الزوج النفسية وتضطرب جميع أحواله حتى يجد عملًا آخر بمرتب مناسب.

لكن مشكلة الارتفاع المستمر في الأسعار تجعل هذا الزوج المسكين يدور في دوامة وفي دائرة مفرغة، فهذا الارتفاع يحول بينه وبين تحقيق قدر معقول من الادخار لظروف الطوارئ.

وتزداد وطأة ارتفاع الأسعار إذا كان الزوج ـ بالاشتراك مع زوجته ـ يخططون لتغيير السكن الذي قبلوا أن يبدءوا به حياتهما، أما الآن وبعد مرور 15 أو 20 سنة وربما أكثر، فإنهما يشعران أن من حقهما تغيير الشقة، لكن هذا الأمل يصبح سرابًا في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار.

أما إذا كان الزوج ممن ينتمي إلى المثقفين الذين يركزون على التعليم الجيد والاهتمام بالمستوى العلمي والثقافي لأبنائهم؛ فإنه سوف يعاني معاناة شديدة، حيث أصبح حصول الابن أو الابنة على تعليم جامعي متميز يؤهلهما لسوق العمل أمرًا شديد الصعوبة، والبديل هو التعليم الجامعي الخاص مرتفع التكاليف الذي يرهق ميزانية الأسرة إرهاقًا شديدًا.

وإذا كان الزوج مهمومًا بالثقافة والوعي وتربية أبنائه على ذلك؛ فإنه سيعاني معاناة كبيرة، حتى يتجنب أبناؤه الاستسلام لأنماط الثقافة الراكدة، وأن يتبنوا نمط الثقافة الراشدة العميقة المنفتحة الهادئة، وفي نفس الوقت يتجنبوا ثقافة التطرف وعدم التسامح، فهذا يحتاج إلى ميزانية إضافية لشراء الكتب الجيدة مرتفعة الثمن والمجلات المفيدة والأبحاث والدراسات الحديثة، وكل ذلك يتطلب ميزانية إضافية ونفقات زائدة وغير متوفرة.

والزوج سيئ الحظ هو الذي تختار زوجته أن تعمل رغم معارضته، فتقضي المسكينة وقتًا طويلًا في المواصلات وتعود منهكة، فتهمل واجباتها المنزلية وحقوق زوجها، وتكون المشكلة هي مطالبتها إياه أن يشاركها أعمال المنزل وتصر على ذلك، وتثير مشكلة إذا لم يفعل وتعايره بأنها تعمل مثله وتساهم في مصروف المنزل مثله.

وهذا الموضوع يؤلم الزوج ويؤدي إلى وقوع الخلافات بين الزوجين، خاصة إذا كان دخل الزوج محدودًا، ولا يفي باحتياجات الأسرة، والمثير للغيظ هو أن الدراسات العلمية في هذا الصدد لا تنصف الزوج المسكين، فدراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر صدرت مؤخرًا، أكدت أن الأعمال المنزلية وراء انتشار الخلافات بين الأزواج، ووقوع الطلاق في كثير من الأسر.

وطالبت الدراسة الزوجات بالقيام بتدريب أزواجهن على جميع الأعمال المنزلية، بالإضافة إلى ضرورة فهم الأزواج للأعباء الكثيرة التي تواجه المرأة في المنزل، ونسي معدو هذه الدراسة أن الزوج مربوط من عنقه، ويدور في ساقية لا تتوقف، وتعصف به الحياة المادية ومشكلاتها بشكل يؤثر على أعصابه ونفسه، ومع ذلك فلا أحد يرحمه إلا الله